اتصل بنا : +212 (0)537-770-332
تقرير يرصد ترحيل المهاجرين في المغرب.. العمليات شابتها الكثير من الخروقات
في تقرير حديث لها خلصت مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع عن المهاجرين والأجانب “GADEM”، أن المغرب نهج سياسة قمعية وعنيفة تجاه المهاجرين، الذين جرى ترحيلهم بالقوة من مدن الشمال نحو مناطق الجنوب، أبرزها مدينة تزنيت التي تشكل الوجهة الأولى للمرحلين بسبب بعدها عن الحدود الشمالية للمملكة.
وذكرت المجموعة في تقريرها أن ملاحظيها، عبر ربوع المملكة، سجلوا ارتفاع وتيرة عمليات التدخل العنيف من طرف قوات الأمن تجاه المهاجرين، ابتداء من شهر يوليوز الماضي، قبل أن تبلغ أوجها غداة شهر شتنبر المنصرم.
وبلغة الأرقام الواردة في المصدر نفسه، فقد جرى ترحيل أكثر من 6500 شخص بالقوة وبشكل قسري بين شهري يوليوز وبداية شهر شتنبر المنصرمين من السنة الجارية، علما أن الذين تم استثناؤهم من هذه العمليات القسرية يمثلون أرقاما ضئيلة فقط، منذ سنة 2013، بحسب التقرير ذاته. المصدر نفسه، أورد أن مدينة طنجة لوحدها كانت تشهد عمليات ترحيل بمعدل يومي بلغ 500 شخص خلال فترة الصيف.
ولإجراء التقرير ذكرت المجموعة أنها اعتمدت على عمل ميداني أُنجز في مدن الرباط والدار البيضاء وطنجة، وبلغ عدد المستجوبين 45 شخصا معنيا بشكل مباشر بالموضوع، بينهم 11 امرأة و19 رجلا و15 قاصرا.
وجهة مجهولة
المرحلون بالقوة كان من ضمنهم أطفال قاصرون لم يجر تمتيعهم بمعاملة خاصة ومختلفة عن الكبار، يقول التقرير. وأردف الأخير، أيضا، أنه بالإضافة إلى القاصرين، فالنساء الحوامل طالتهن المعاملة ذاتها، التي وصفها بالقاسية دون اعتبار لوضعهن الصحي.
التقرير عرج، أيضا، في صفحاته في حديثه عن طفل قاصر من جنسية مالية، كان قد لقي حتفه غداة عملية للترحيل القسري من مدينة طنجة إلى إحدى مدن الجنوب. وأكدت شهادات المرحلين – التي اعتمدتها المجموعة لإنجاز تقريرها – أنهم وخلال عمليات الترحيل لم يتوصلوا بأي إشعار حول سبب توقيفهم أو ترحيلهم، والكثير منهم لم يكن يعلم مسبقا بالوجهة التي سيرحلون إليها، إذ إن الكثير منهم كانوا يجدون أنفسهم في أماكن يجهلونها تماما، وفي أحايين كثيرة تفتقد لسبل العيش، إذ لا تتوفر فيها مياه الشرب، كما يصعب عليهم تدبير قوتهم اليومي.
«خرق للقانون»
المرجع ذاته خصص حيزا للحديث عن الإطار القانوني لعمليات الترحيل، وأبرز أن المادة 40 من القانون 02-03، المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمغرب، يؤكد على أنه “يجب على الأجنبي تقديم الأوراق والوثائق التي رخص له بموجبها بالإقامة فوق التراب المغربي، عندما يطلب منه ذلك من طرف أعوان السلطة والمصالح المكلفة بالمراقبة”.
وبناء على هذه المادة تقوم مصالح الأمن بمراقبة الوضع القانوني للأشخاص الموقوفين، ويجب أن تكون لدى السلطات، بحسب مجموعة GADEM، أسباب موضوعية تؤكد أن الشخص، الذي يجري التحري معه، هو فعلا أجنبي دون الاكتفاء فقط، بتحديده عبر لون بشرته السمراء لأن لون البشرة لا يمكن أن يكون في حد ذاته سببا في القيام بذلك. كما أشارت المجموعة أن عمليات الترحيل القسري كانت تستوجب أن يكون المعنيون موضوع قرار خطي صادر عن وزارة الداخلية، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي دليل على أن العمليات نفذت بناء على أمر خطي، وتوصل التقرير في هذا الصدد إلى أن السلطات المغربية لم تحترم الإجراءات القانونية المتبعة في هذا الإطار.
«تبرير غير مبرر»
اعتبرت مجموعة “GADEM” في تقريرها أن المغرب حاول مرات عديدة إظهار الدور الريادي والمحوري، الذي يقوم به على مستوى محاربة الهجرة غير الشرعية، وسعى إلى تبرير الترحيل القسري وعمليات الاعتقالات التي استفحلت أواخر يوليوز وأوائل غشت 2018، وخاصة في مدينة طنجة التي تعتبر ضحية لموقعها الجغرافي.
“التوقيف والترحيل الذي لازال مستمرا لغاية اليوم”، يرى التقرير أنه لا يمكن حجب السياق العام المغربي- الإسباني – الأوروبي المتمثل في السباق نحو تبني سياسة مناوئة للهجرة، والتي يدفع ثمنها المهاجرون بالدرجة الأولى.
وأبرز المصدر نفسه أن دور المغرب المحوري في قضية الهجرة، على مستوى البحر الأبيض المتوسط، تعزز بشكل كبير منذ إعلان إسبانيا بوابة رئيسة لدخول المهاجرين نحو الأراضي الأوروبية، كما ضغط المغرب، أيضا، في اتجاه حصوله على دعم مالي أكبر من طرف شركائه الأوروبيين، سواء فيما يخص الهجرة أو “في تطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المملكة”.
المواقف التي عبرت عنها الرباط، حول قضايا الهجرة طوال شهر غشت وبداية شهر شتنبر من السنة الجارية والعمليات التي اتخذها اتجاه المهاجرين، تظهر بالملموس أن القرار كان سياديا ومدروسا بعناية.
التعاون الإسباني المغربي
كما عرج التقرير عبر صفحاته على أعداد المهاجرين الذين حاولوا أو تمكنوا من العبور نحو الضفة الإسبانية عبر مدينة سبتة المحتلة، إحدى هذه العمليات مكنت من دخول 600 مهاجر أراضي الجارة الشمالية، وهو ما دفع السلطات الإسبانية إلى اتهام نظيرتها المغربية بالتساهل مع المهاجرين، وهو الخطاب ذاته الذي تبناه الاتحاد الأوروبي، بحسب ما ذكرته صحيفة إلباييس الإسبانية.
المغرب خرج للرد على شركائه الأوروبيين عبر الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، الذي أشاد “بالمجهودات الجبارة” التي تبذلها المملكة لمكافحة الهجرة، وهو ما تمثل في المحاولات الكبيرة التي جرى إجهاضها من طرف السلطات المغربية، بيد أن الرباط تجد نفسها وحيدة بإمكانياتها المتاحة في محاربة الظاهرة وتحتاج إلى دعم من طرف الاتحاد الأوروبي، على حد قول الخلفي.
المجموعة أشارت، أيضا، إلى قرار المغرب إغلاق معبر ثغر مليلية الحدودي في 31 من يوليوز الجاري من أجل تشجيع الاقتصاد المحلي عبر تحويل العمليات التجارية نحو معبر بني انصار المجاور للمدينة، وهو ما أثار غضب السلطات الإسبانية.
واعتبر التقرير أن كلا البلدين، إسبانيا والمغرب، استغلا موجات الهجرة للتصعيد تجاه المهاجرين وتبرير خرق مقتضيات حقوق الإنسان. كما أشار إلى أن قضية الهجرة عرفت نوعا من التهويل أكثر مما ينبغي، على اعتبار أن إسبانيا مثلا التي تتوفر على 46 مليون نسمة لا يمثل الوافدين الجدد عليها سوى 0.6 في المائة من نسبة الساكنة العامة في البلد، وبالتالي يصعب الحديث عن غزو وإغراق للبلد من طرف المهاجرين، بحسب التقرير، كما أن الإمكانيات المسخرة لذلك مبالغ فيها، مقارنة مع معطيات الواقع.
مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع عن المهاجرين والأجانب “GADEM” خلصت في الأخير إلى أنه في خضم الأحداث التي عصفت بالعالم، خلال فترة إنجاز التقرير والمتعلقة بالهجرة، تبين أن المغرب لعب دورين متناقضين، فمن جهة، نصب نفسه كلاعب محوري وزعيم لملف المهاجرين في القارة الإفريقية، وتعامل بحزم مع الجارة الإسبانية والاتحاد الأوروبي، فيما يخص الموضوع، لكنه، في المقابل نهج سياسة “القمع والعداء” تجاه المهاجرين الموجودين فوق أراضيه، بحسب المصدر ذاته. يأتي هذا بعد تبني المغرب لاستراتيجية وطنية للهجرة واللجوء سنة 2013، والتي اعتبرت بارقة أمل، كما أنها تعد خطوة فريدة من نوعها في المنطقة، لكن هذه الاستراتيجية سرعان ما أظهرت محدوديتها 5 سنوات بعد ذلك، بحسب “GADEM”.
هذا، وأشاد التقرير بالخطوة التي أقدم عليها المغرب عبر محاولته، منذ عودته لأحضان الاتحاد الإفريقي، طرح موضوع الهجرة على طاولة الاتحاد والسعي إلى الخروج بموقف قوي وموحد بين دول الاتحاد حول الموضوع لمواجهة الاتحاد الأوروبي وصلاحياته. غير أنه وبعد هذه السياسة اعتبر تقرير “GADEM” أنه في الوقت الذي كان بإمكان المغرب أن يضطلع بدور مهم بين مؤسستي الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، اختار في المقابل سلك طريق آخر يضرب في العمق كل ما سبق بناؤه سابقا. وتوصل في الأخير إلى أن حصيلة 3 أشهر الأخيرة كانت ثقيلة بعمليات التوقيف والترحيل القسري، والتي شابتها خروقات لحقوق الإنسان طالت أطفال قاصرين ونساء حوامل، وهو ما يجعل من سنة 2018 حافلة بالنسبة إلى المغرب. المملكة اليوم، وهي على أعتاب استضافتها الدورة الحادية عشرة للمؤتمر العالمي للهجرة في مراكش، دجنبر المقبل، عليها أن تسارع لتغيير الأسلوب الذي تبنته أخيرا في التعامل مع المهاجرين بحسب التقرير، موضحا أن المجتمع الدولي أشاد لمدة طويلة بالمجهودات التي بذلتها الرباط على مستوى سياسة الهجرة، لكن هذه الإشادة، “قد تشهد تقاعسا في حال ما استمر الوضع على ما هو عليه اليوم”.6
ظروف ترحيل «مزرية»
الظروف التي تتم فيها عمليات الترحيل القسري، وبناء على شهادات مهاجرين استقتها مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع عن المهاجرين والأجانب، أظهرت أنه جرى تكبيل عدد من المرحلين للحيلولة دون هروبهم أو تسببهم في المشاكل، كما أن ظروف التنقل كانت صعبة للغاية، وتتم، غالبا، خلال الليل أو في الساعات الأولى من الصباح. وأشار الشهود إلى أنه عادة ما يمضون يوما كاملا دون أن تُقدم لهم أي وجبات للأكل، كما لا يسمح لهم في الطريق باستعمال المراحيض.واعتبر التقرير أن هذه الظروف يدفع ضريبتها بشكل كبير النساء الحوامل والأطفال والقاصرين والمصابين بأمراض خطيرة أو مزمنة.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل أكد المستجوبون من طرف المجموعة تعرضهم لمعاملة قاسية من طرف السلطات وصفها البعض بالعنصرية والحاطة من كرامتهم الإنسانية، كما يجري تركهم في أماكن يجهلونها بعد سلبهم وثائق الهوية أو الإقامة وطلبات اللجوء التي بحوزتهم، على حد قولهم.
وخصص التقرير حيزا للحديث عن فئة الأطفال التي يرى أنها الأكثر تضررا من عمليات الترحيل القسري، فمن بين 45 مستجوبا يوجد 17 قاصرا، أكبرهم يبلغ من العمر 17 ربيعا وأصغرهم 5 سنوات.
واعتبرت “GADEM” أن مجرد استجواب هؤلاء يعد تعديا على حقوقهم، نظرا إلى التدعيات النفسية لمثل هذا الفعل، مشيرا في الآن ذاته، إلى أن عمليات الترحيل القسرية شملت، أيضا، من يتوفرون على بطائق الإقامة، والذين تمت تسوية وضعيتهم القانونية، وهو ما سبق وأن نفته الحكومة سالفا.